الطرب الحجازي /9
أنشأ طارق مدرسة موسيقى الجيش وجلب لها العازفين الأساتذة للوتريات والنحاسيات ,سأتحدث عن الوتريات فقد كان يرأسهم عازف الكمان الأستاذ المبدع أحمد سليمان وبالمناسبة هو العم الأكبر للفنانة الرقيقة الفنانة بحق (السيدة أنغام محمد على سليمان)وعازف الناي المبدع عبدالسلام محمد والذي كان مرجعا في علم الأنغام والذي فقد عينه عند خروجه أحد الأيام مبكرا من بيته حيث يذهبون الى المدرسة يجمعهم (لوري)المدرسة فشاء سوء بخته أن ترتطم عينه بسيخ من الحديد من أحد المباني فيفقد عينه ,وكذلك عازف الكمان الأستاذ نسيم والرجل العملاق عازف (الكونتر باص)الأستاذ عميش وكان لاعب كرة ,أحسن طارق عندما طعم الفرقة بالفنان محمد الريس وهو من خيرة العازفين على الكمان والعود والقانون ومتمكن من علم النغم والطريقة الحجازية وقد درست على يديه وهو الذي كان له الفضل في الحفاظ على اللون الحجازي وتطويع الفرقة لذلك ثم انضم طلاب لدراسة الموسيقي مجندين ومن أشهرهم عبدالله ماجد وعبده مزيد وثواب عبيد وعلى باشا ومحمد هاشم وغيرهم ولكن العتب على الذاكرة وسيكون هناك حديث خاص عن العازفين فهم كثر ومجيدون ولهم يد بيضاء على الطرب في الحجاز .
سأترك البيه وفرقته وأسلك طريقا آخر أتحدث فيه عن الفنانين الذين برزوا في تلك الفترة خارج مدرسة طارق وأول ألائك الفنان الأصيل الجميل الذي ارتبط معي بصداقة كبيرة ,إنه الفنان عبدالله محمد ,هنا سأتوقف لأذكر ورشة النجارة الخاصة بابن عمي (حمدان)وكان يطلق عليه (المعلم)كانت ورشته بجوار مسجد سيدي عبدالله بن عباس رضي الله عنه وبها حجرة و دكه كانت الحجرة للشتاء والدكة للصيف كأنما هي رحلة قريش ,كان مغرم غراما متناهي بالطرب وكان صباحه ومن معه نجارة وعمل حتى إذا جن ليله تحولت الورشة الى مجلس طرب لا أحسب مطربا لم يمر على تلك الورشة وكان يصيف بها العم حمزة مغربي عازف القانون العظيم وغيره حتى أني تعلمت الفن في هذه الورشة وكنت معجبا بالقانون ومحبا له وابتاع لي بن عمي قانون (مشي حالك)وعم حمزة يعلمني وكان رحمه الله طيب القلب محافظا على صلاته كثير الذكر ولكنه نزق يثور لأقل سبب ولقد كان سببا لكرهي لآلة القانون حيث (صادني)مرة وقد أخرجت قانونه وعزفت عليه وسمع صوت قانونه وهو صاحب الأذن الموسيقية المرهفة وجاء على رؤوس أصابعه وأخذ مفتاح القانون في غفلة مني والمفتاح من الحديد وصفقني به على أصابعي حتى كدت أطير من الألم وقال (هذا قانون حمزة)وكانت آخر مرة أمسك قانون فقد أصبت برهاب (قانون حمزة)كان (الصنايعية )وأقصد العاملون جميعهم فنانون أذكر منهم ,عبدالرحيم كابلي وابراهيم عاشور .كان يرتاد الورشة أو لنقل يسكنها أحيانا الفنان عبدالله محمد وكان يعرف باسم(عبده) وكان يحب الطرب وروي لي أنه كان يجمع الشباب من مقاربيه في العمر ويحضر تنكه ويغنوا عليها أغاني يمنية مثل أغاني الفنان محمد جمعة خان وكان لعبده أو لنقل عبدالله محمد أغنية اشتهر بها من تلحينه وكلماته تقول:
يا دودحيه يا موتر جديد ****إنت الكمانة وأنا عود القنا
وكانوا من عادتهم في الحجاز إذا أطلقوا لقبا على أحد لزمه العمر كله,بدأ يشتهر عبدالله محمد وصار يغني مع من يقال لهم (البشك)وهم مجموعة متجانسة تجتمع كل مساء إما للحديث أو لعب البلوت أو الطرب بعد أداء صلاة العشاء,كان يشتهر في تلك الفترة الطرب اليماني ولا ما يماثل الطرب اليماني وكانوا يحضرونه (اسطوانات)تسمع على القرام فون (الشنطة )وكانت تهرب تهريبا وتباع خفية وأعرف من كان يهربها وهم الآن من كبار البيوت التجارية ليس في الحجاز ولا في المملكة ولا ما يسمى الخليج بل في العالم ولكني أعف عن ذكر الاسم ولو أنهم ممن أكلوا خير البلد ولا زالوا وسببوا له ضررا كبيرا وما قدموا له حسنة واحدة .وكان يقوم بالتوزيع في الطائف رجل يسمى (زريو) وكان يواعدك في مكان ليحضر الأسطوانة وهو يتلفت خوفا من الهيئة وكم من حرام أصبح حلال,وكانت ترد الأسطوانات من البحرين أو بيروت أو مصر.
شجع أحدهم عبدالله محمد على الذهاب للبحرين لتسجيل أغنيتين لحنها ذلك الموهوب وهما :
قال المتيم نضرت البارحة الفتان ****جازع طريقه نهار الحد وافاني
يمشي على الهون يتمايل كغصن ألبان*** رما فؤادي بنضرة سهم الأعيان
أما الثانية فقد نسيتها وقد أتذكرها ووصلت الأسطوانات الحجاز وصار عبدالله محمد كنار على علم وتلقفه طارق ليلحقه بمدرسة الموسيقى عندها أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح .
كوكوكوكو
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق