الطرب الحجازي/25
وجدت أني في مرحلة من حكايتي نحن في الحجاز نقول (أحكيك حكاية)أي أروي لك رواية أو كما يقال عند البعض (سالفة).من لطيف الحكايات هذه الحكاية التي كنا نرددها ونحن صغار توارثا عمن قبلنا تقول:
"أحكيك بحكاية ,كلب جرى بسقايا وأحورها و أدورها وأعيدها من أولها ,وأحكيك بحكاية كلب جرى بسقايا وأحورها و أدورها و أعيدها من أولها "وهكذا دواليك ,كانت طرائف و لطف و كانت سلوى ,ما علينا!!!
نعود للحكاية أقول أنني وجدت أنه لزاما علي أن أروي عن العازفين أنتشل من قاع الذاكرة ما استطعت الى ذلك سبيلا ,أولا لأنهم كانوا عماد الطرب (لاحظوا أقول الطرب ولم أقل الفن) سبق أن فندت هذا الزعم وأزيد أن الطرب الشرقي يعتمد على السماع ولا يعتمد على النوتة الموسيقية فهو ليس فيه "تكنيك"كالفن الغربي (لاحظوا أنني لم أقل الطرب الغربي)لأنه ليس طربا فهو يعتمد على قواعد حسابية ولن يتسنى أن تقول بعد كل مقطع غربي (الله ,,,,يا عيني,,,,أدعس,,,,)وتتمايل جذلا متشبعا روحيا ولكن مستمتعا عقليا فالشرق كل الشرق روحاني والغرب كل الغرب منطقي ,لذا أقول أن الطرب في عموم الشرق يعتمد على السماع ولقد قرأت عن الطرب في عموم آسيا قبل أن يتفرنج فكان كله سماعي فهذه أذربيجان تملك طربا لا يدانيه طرب وكذا الترك والفرس وحتى الفياتنام لو سمعتم طربهم القديم لتمايلتم ,وأول من كتب النوتة الموسيقية للعود كان الفنان محمد القصبجي وكانت السيدة أم كلثوم تدير بروفاتها على السماعي ولم تقبل أن تكون أمام العازفين نوت موسيقية حتى توفت رحم الله موتانا وحثي عهد سيد درويش كان الغناء والموسيقى في الوطن العربي "سماعي" وكان مستودعه حلب والمغرب وهما المنطقتان التي اتجه لها عرب الأندلس بعد أن ضيعها جماعة الشيخ الجليل عبدالله بن الأحمر رحم الله موتانا حيث ساقهم فرناندوس وإيزابيلا والعلم كله بيد ازبيلا تلك الملكة التي أوصت على إبقاء "سبتة ومليلة في ركن المغرب العربي الشمالي في يد الفرنجة حتى لا يتسلل العرب لهم مرة أخرى .
أحسب, أني سرحت بكم وذاك ليس ذنبي ولكنه ذنب ذاكرة مزدحمة كلما هممت بالكتابة طفا على سطحها ما لا استطيع أن أكتبه فتلكزني وألجمها وقد انفعل فيغضب قاصر الإدراك أو يقرع أو .أو, وأنا ممن لا يقرعوا (بضم الياء وفتح القاف وتشديد الراء,وأتمثل دائما قول الشاعر:
ولدت عيوفا لا أرى لابن حرة ****علي يدا أغضي لها حين يغضب
نعود لأحبابنا الذين يثرون الطرب بالعزف الذي يجعلك ترى الماسة وقد أحيطت بكريم الأحجار من الياقوت والزبرجد و الفيروز و الروبي والمرجان و رصائفها و بريقها يتراقص حول الماسة التي تبعث إنعكاسات روحها لتسكبها في أرواح أهل الطرب الحقيقين والذين يقدرون قيمته وهم السميعة الذين يصبغون ذلك بدبيب تحسه ولا تراه .
حمزة مغربي ......أبوعرب.....حمزة....كل هذه ألقاب لعازف القانون الطود عزفا وهامة والأخيرة لم أذكرها وتركتها للعارفين,هذا رجل عرفته حيث كان يقضي فترة الصيف في الطائف ويقيم في ورشة النجارة وبيت الفن التي يملكها أخي الأكبر بن عمي حمدان أمين شفاه الله ولا أحسب من له علاقة بالفن في الستينات والسبعينات وأوائل الثمانينات إلا ومر بها أو أخذ الفن عن مرتاديها فكانت ورشة نجارة نهارا دار أنس مساءا ولكنك لا تجد فيها متخلف عن صلاة أو جانح,كان العم حمزة رحم الله موتانا وهو رجل أعزب ما عرفت له قرابة كان يسكن في غرفة من غرف الورشة وكنت تسمع نقره على أوتار القانون تسري في فضاء الورشة فتصبح(دانه ولبانة أو غناء و سف دقيق)إنما في المساء حيث ينتظم عقد الطرب ,
كان العم حمزة نادر الابتسامة صارم عرفته وقد تجعد وجهه وخط الدهر عليه خطوطا متجهما نزقا يجب أن تحسب كل كلمة توجهها له و إلا ندمت ندامة الكسعي ,يعتمر عمامة وطاقية بلدي هرمية الشكل و كان هذا لباس أهل الحجاز قبل أن (يتخلجوا)كان طويل القامة ويملك سيارة فورد موديل 48 أذكر أن سيارته كانت واقفة وخلفها سيارتان ومن موديل الخمسينات واحدة لمحمد سعيد حبيب والثانية من مخلفات الجيش لابن عمي حمدان والمغرم بمخلفات الجيش حتى اليوم حتى أنه كان يملك إسعافا ليس فيه من الداخل الا صندوق شاهي فارغ يجلس عليه ليسوق و قد تعلم أبناء حي أسفل بالطائف السواقة على هذا الإسعاف وكأنه من وقفنا الموجود في برحة القزاز,المهم حاول العم حمزة إخراج سيارته وكان يقف عبدالرحيم كابلي وهو معلم نجارة وعازف عود ومن أذكى من عرفت ويستطيع أن يستثير أحلم الرجال ,قال عبدالرحيم للعم حمزة:يا عم حمزة ,ما تعرف تسوق أنا أخرج لك السيارة ,فما كان من حمزة الا و قد ثارت ثائرته وقام بسيارته "أمام وخلف"حتى حطم السيارات الثلاث ولكنه أخرج سيارته وأخرج معها لسانه على عبدالرحيم كابلي بشتم يستحيل تسجيله ولا حتى الإشارة له,
كان عزف عم حمزة عزفا متقنا جميلا ويعرف عازفي القانون الأفذاذ معني أن يعزف على القرار والجواب ناهيك عن درايته التي تبهرك بالأنغام وتخريجاتها والتجول فيها دون أن تشعر بانقطاع الإنسياب أو سماع نغمة نشاز ولقد توفى عم حمزة رحمه الله في بيته في مكة وحيدا ولم يعرف بوفاته إلا بعد أيام اشهد لله شهادة يسألني الله عنها أن الرجل كان فيه من التقوى والإيمان والحرص على الصلاة والصيام فرضا ونافلة كثير الذكر لله ورسوله شاهدته وهو يصلي وحيدا ولم يره الا الله وأنا وما كان يعلم بوجودي وهو يبكي في صلاته من خشية الله بكاء والله يلين القلب وكنت أنا يافعا ,أعجب لمن يجمع أهل الفن في بوتقة واحدة و يطردهم من رحمة الله وكأن رحمة الله بيده وهو والله لو قيس ببعض أهل الفن وتقواهم لخجل من نفسه هذا إن كان هناك من بقي ممن يخجل من نفسه إذ يرمي الناس بالفساد و لا يدري من أثقل وزنا عند الخالق عز وجل ها أنا وقد رأيت شهرزاد وقد أدركها الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
كوكوكوكو
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق