الطرب الحجازي/28
تكلمنا عن العمالقة من العازفين وأتينا على ذكر العم حمزة مغربي والعم محمد الريس والعم الدكتور وسأواصل إيراد أسماء العمالقة الكبار الجذور والذين مارسوا الفن والخوف يحيط بهم ولا تحتاج عبارتي الى تفسير (الحدق يفهم )ولما فتح الباب (مواربة)وبعد ذلك سأبدأ بالجيل الذي أنا منه وإن كنت من المخضرمين ,لا ننسى أن الباب قفل مرة أخرى فخرج من خرج خارج الحدود وبقي من بقي في الأنفاق ولو مددت أصبعك من ثقب الباب لطرحك الله فيمن يعضه عضة تجعل صراخك يملأ الفضاء,ولكن عاد الباب للمواربة والقفل وأصبحنا بين جملتين شهيرتين (عطوه.....بطوه).
أعود لأتحدث عن ثلاثة من الكبار.الطيب ,كان الطيب رجلا كاسمه طيبا في كل شيء يملك ملكة تميزه وهي تحويله عندما يعزف منفردا وتسمى(تقاسيم)يحيل الأنغام ثقيلة الوزن الى أنغام (فرايحية)فالراسد و الجهار كاه والعجم والنهوند من الأنغام التي تستغرقك في تهويم فلسفي بخلاف نغم الحجاز والسيكة وهوالبنجكة ورصد النوى وهو الحراب وكذا الأنغام التي تكاد تجعلك تذرف الدمع كالصبا والعشاق يحيل هذه تلك وتلك هذه وذاك لعمري مقدرة هبة من الخالق ,لا أود أن أتوسع في الأمور الفنية ولا سرد الأنغام ولكن تلك ملكات تسوقك للتنويه بها ,شاركت العم الطيب ولكن أقل من مشاركتي لمن سبق وأوردت .
العم سعيد شاولي تلك شخصية ذات استقلالية في كل شيء وهو فوق إجادته العزف على الكمان يجيد فن التصوير الفوتوغرافي وكان له أستوديو تصوير عندما كانت استوديوهات التصوير نادرة وقبل ذلك كانت محرمة (وكلكم مفهوميه)كان العم سعيد على ما أذكر محله في القشاشية وكان لا يرتدي يعتمر الا (كوفية هرمية)وهي كانت للأنيقين دون (صمادة)الآن غترة والصمادة كانت إما غبانة أو شال أو قماش من القطن وكلها عمامة وأجمل عمامة رأيتها في حياتي كان يعتمرها سيدي عالم الحجاز السيد(علوي مالكي)وكذا كان أبي وأبناء عمومتي وللعلم العمامة هي الزي الصحيح في الحجاز من العهد الجاهلي ثم الإسلامي وحتى أدخل علينا الإنجليز الشماغ ,سرحت بكم ,أليس كذلك؟نعود للعم سعيد شاولي كان عزفه رقيق أنيق كماه وكان يميل لعزف الألحان المصرية وحتى عزفه المنفرد كان يميل للطريقة المصرية في النغم ,كان قليل الظهور أذكر سمعت منه وأسمعته كان مختصرا على محيط محدد وأحسب أن له أبن تخرج طبيبا ومارس الفن وأسمعني أحدهم بعض أغانيه وهي تميل للحديث من الفن الذي يعتمد على الإيقاع أداؤه جيدا ولديه القدرة أن يعمل على تطوير الفن الحجازي فقيل لي أنه درس الموسيقى ولكني لم أعد أسمع عنه .
العم محمد رفه,احسب أني أصبت في الاسم أما اللقب فلا مرية فيه ,كان العم الرفه عازف أنيق على الكمان محدود الانتشار أنيس ونيس جليس لا تمل من طيب حديثه ولا من براعة عزفه ولا من جمال أناقته ولا من طيب سريرته وقد فزت بالعزف معه وأمامه وكان صاحب متجر يبيع فيه تحف لم أشاهد قبلها ولا بعدها في تفردها ولقد كان يسافر لينتقي معروضاته وله مرتادين محدودين من أهل الذوق الرفيع والحس المرهف وله ابن نطاسي في جراحة القلب وعلمت أنه كان كثيرا ما يقوم بعمليات في الداخل والخارج للمحتاجين وهذا ما لا يستغرب على مجتمع دخيلته أشد بياضا من ثيابه لقد كان مجتمع يذكر فتذرف العين دمعها على تذكره.
العم محسن شلبي:من أراد أن يكون السرور ونيسه فعليه أن يكون العم محسن جليسه,يعزف على الكمان ليس بأبرعهم وإن كان أكثرهم أنسا ولي معه أياما جميلة لن يجد الكدر الى نفسك طريقا وأنت معه وكان صهرا للسيد عبدالرحمن المؤذن.
العم منصور بن سفرة وهو من أهل الطائف من طويرق كان هو عازف الكمان الوحيد وشاهدته وأنا صغيرا في السن و عزفت معه ولكنه ترك العزف مبكرا خلوق أنيق كثير الصمت كأني أطالعه وهو يلف سجارته البستاني بين الشيلة والشيلة (أين بين الأغنية و الأغنية ).
إن كل من أوردت ذكرهم العطر لقوا وجه ربهم ,لقد كانوا رجالا بكل ما تحمل الكلمة من معنى حريصون على دينهم وعبادتهم لا يفوتون واجبا دينيا ولا أخلاقيا لا ينطقون العوراء لا يسيئون لأحد ,كنوا رحمهم الله خير موجهين لنا يحثونا على الفضيلة وعلمونا أن الطرب ترويح عن النفس ومسلك راق محترم لا يجب أن يلوث بإثم ولا بتفسخ .كانوا رجالا يحترمهم الصغير والكبير ما تركوا غير مرضاة الله والذكر الحسن وعندما فاح عطر ذكراهم أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
كوكوكوكو
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق