الاثنين، 14 يوليو 2008

اللهبي /الطرب الحجازي/26

الطرب الحجازي/26

قد يعتب على الكبار ممن لست في طرفهم الا رقم مفرد وأعني بهم أساتذتي وسادتي إبراهيم خفاجي ويوسف محمد(أبو يعقوب)وطارق عبدالحكيم ويقولون ما لهذا (الواد)ما جاء على ذكر الركنين الكبار وهم سادتي الشريفان هاشم وعبدا لحميد و هما رحم الله موتانا نبع الطرب الحجازي :أقول لسادتي معتذرا وكيف أختم كلامي بغير تطييبه بأسماء آل بيت حبيبي وقرة عيني سيدي رسول الله عليه وعلى آله وصحبه أزكى سلام إن خير ختام الكلام تطييبه بذكر آل البيت الكرام وهنا أجزم أنهم ومن في مقامهم سيقولون(صدق الواد).
أعود الى سيرة أحبابي من الذين كانوا يعزفون على الآلات الموسيقية وقد ابتدأتهم بالعم حمزة مغربي وها أنا أثني بدرة من عزف على آلة الكمان ,ذلك الرجل المهيب الذي أدركته وقد مال به العمر الى خريفه وكان ذلك في ورشة أخي بن عمي حمدان والذي سبق أن أشرت الى أنها كانت ورشة نجارة صباحا ومدرسة طرب مساءا,
إنه الفنان المبدع الذي تكاد أن تذوب الكمان في يده من رقة ما ينساب من روحه من فن روحاني صافيا نقيا ولا نسمة الصبا تتراقص الأوتار ويرتعش القوس ويتحول السامعون الى أذن تلتقط جواهر النغم وهي تنثر على رؤوسهم من بين أنامله وهو بوجهه الصارم الذي لو رأيته والكمان ليس في يدية لحسبته جلمود صخر ولما صدقت أن ذاك الجلمود يختزن من العاطفة ورقة الإحساس كل هذا.
إنه العم "محمد الريس"سمعته ليلة وقد تناول كمانه وبدأ في تقاسيم على نغمة الحجاز تلا عب بها ونغمة الحجاز من الأنغام التي تدخل السرور على النفس وعرج منها على الحراب وهو النغمة التي تجعلك تنتهي عند (المحط )صائحا الله الله ومنها تحول الى الجهاركاه وكأنه يجهزك لتستقبل الصبا وهو النغم الذي يستمطر العين بالدمع ويجعلك وقد خف وزنك وسكنت الجاذبية ليهوم بك في عوالم تنسيك ما حولك لتتساما روحك وتنتابك رهبة يعيدك بعدها الى رشة من نغم العشاق والذي يقال أنه يستدر الغيث ليعود بك الى مقام الحجاز حيث بدأ دون أن يجعلك تشعر بانتقاله من مقام لمقام وتلك لعمري علم العارفين ومكنة المتمكنين حتى رأيت الجمع وقد وقف احتراما لإبداعه وأكثرهم من أساتذة النغم فالنغم في الحجاز ليس وقفا على المطرب أو العازف ولكن يندر أن تجد حجازي المعدن ليس له علم بالنغم أكان عالما أو مثقفا أو ولد حارة ,هكذا كان الحجاز عبادة وتقوى وأنس ومؤانسة ما حضرت مجلس طرب إلا وكانت البداية بذكر الله عز وجل والصلاة على حبيبه عليه أزكى سلام فهم قوم لم ينسوا نصيبهم من الدنيا وما أخرهم الطرب عن عبادة أو عن فرض وما كان يدور في مجالسهم ما لا يرضي الله ورسوله .
كان للطرب أصول وقواعد يحترمها الجميع ,فمثلا كان يبدأ صاحب العود بالتقاسيم وهي عزف حر إبن ساعته ويليه عازف القانون ثم عازف الكمان ,ولقد حضرت مجلسا قسم فيه صاحب العود وكان العم حمزة على القانون والعم محمد الريس على الكمان فقسم العم محمد الريس قبل العم حمزة وبذلك خرق عرفا أغضب العم حمزة وكادت تحدث مشكلة كبيرة ولولا تدخل الحاضرون و إرضاء العم حمزة (بحق)وهو ذبح خروف وعشاء إرضاء لعم حمزة قام به العم محمد الريس ,كان هناك احترم وتقدير وأدب وقواعد إنما كانت لزمانها (وكل شيء في وقته حلو).
عمل محمد الريس بمدرسة موسيقى الجيش مع طارق عبد الحكيم وكان قبلها صاحب دكان ببرحة القزاز(أكرر للمرة الألف ,القزاز ,بضم القاف وفتح الزاي)بجوار قهوة العم محمد الثما لي وبقي في مدرسة الموسيقى حتى تقاعد طارق عبد الحكيم فأنتقل الى فرقة الإذاعة ككبير لهم حتى تسلمها المطرب علي با عشن وتحول الى عمل إداري وتغير الحال غير الحال.
هذا الرجل له اليد الطولي مع الكبير طلال مداح وسيأتي شرح ذلك عندما اكتب عن الكبير طلال.
كان محمد الريس فنانا مطبوعا عفيف النفس تقيا نقيا لم يكن يتكسب بفنه كغيره من الأول فهكذا كان الرجال في الحجاز ,لا تجد العالم الذي يتكسب من علمه و لا الفنان الذي يتكسب من فنه ,كان لكل منهم عملا آخر يتكسبون منه أما العلم والأدب والشعر و الثقافة والطرب فكانت لذاتها وهذا الذي صبغها بالصدق ولم يكونوا رقيقا لمعطي ليعطوا كما يريد وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
كوكوكوكو

ليست هناك تعليقات: