الطرب الحجازي/27
أنهيت الحلقة السابقة عن أستاذ الكمان بدون منازع في زمنه ولكن فات علي ان أذكر أنه بالرغم من إجادته للكمان فهو كذلك مجيد العزف على القانون ولكن ليس في درجة العم حمزة مغربي وكذا يجيد العزف على العود ولكنه لا يملك صوتا شجيا وتميزه في العزف على آلة الكمان لم يشتهر كثيرا في غيرها وقد درست على يده .
سأكتب الآن عن ثلاثة عازفين على الكمان وكانوا في زمن محمد الريس وهم للحقيقة مجيدون وذوا إحساس مرهف ولكل طعمه وعبقه كالعسل والورد,
الدكتور :كذا عرفت اسمه واجتمعت به كثيرا ولم يدر في خلدي سؤاله عن اسمه الكامل فلقد كنا نحترم كبارنا ولا نخاطبهم إلا كما نخاطب آباءنا ولا أذكر أني خاطبت أحدهم بغير كلمة (ياسيدي)وكنت لا أعزف منفردا حتى يأذنوا لي ولا أجلس عن يسارهم في الصف بل قد يناولني أحدهم قوس كمانه لأمرره على (القلفونية)وهي المادة الغروية التي ينطلق الصوت قويا عند احتكاك القوس بالوتر,بل وأحمل لهم كمانهم تلك آداب ربي عليها أهل الحجاز في كل صنعة وفن وفي التعامل اجتماعيا بين الكبير والصغير آه على تلك الأيام .
كان الدكتور وبالمناسبة أطلق عليه لقب الدكتور بمعنى دكتور الكمان فلقد كان الدكتور في ذلك الزمان كالتحفة التي يتمنى الناس أن يروهم فقط فقد كانوا لعلية القوم والمستشفى تسمى (الصحية)وليس غير مستشفى أجياد بمكة المكرمة والدكتور محمد خاشقجي ومستشفى الملك فيصل بالطائف والدكتور إبراهيم أدهم .
نزهة:أليس كذالك؟ أخذتكم في نزهة!!!!!
كان الدكتور دقيق الجسم دائم الابتسام تقي محافظ على عبادته وأوراده لم تلهه الكمان ولا الطرب عن دينه وتقواه كثير الصلاة على سيدي رسول الله لا تسمع منه كلمة نابية ولا طباع من ينادون من وراء الحجرات,
كان متمكنا من النغم حافظ للحن مبدع (التقاسيم )وهي العزف المنفرد التلقائي ,كنا ذات مساء في سهرة وكان أحدهم قد أحضر مسجل وهو من النوع (القرندق)بأشرطة بكرات وقيل أنه من نوع استريو وهي كلمة جديدة فهمنا من صاحبه أنه بمايكروفونين ,وقال أنه سيضع أحد الميكروفونات أمام الدكتور ليبرز عزفه من سماعة والمايكروفون الآخر أمام المطرب وأنا معه ,وقد أبدع الدكتور ذلك المساء كما لم يبدع من قبل وانتهت السهرة وانفض السامر وكنا في بيت صاحب المسجل وهو من علية القوم فقال لي الدكتور (أقعد ياواد خلينا نسمع التسجيل بعدين نروح)وقام صاحب المنزل(وحكر براد الشاي )ولف شريط المسجل من البداية ولسوء الطالع أن المايكريفون الذي أمام الدكتور نسي مضيفنا أن يفتحه ,ولم نسمع عزفا للدكتور البتة وصاحب المنزل يلف الشريط ويعيد والدكتور يردد فقط (ما سجل؟ما سجل؟ما سجل؟)ولما أصبح الأمر حقيقة لا مرية فيها غضب وحلف يمينا لا يدخل لمضيفنا بيت ما عاش والرجل يعتذر وخرجنا نتلمس طريقنا في الظلام أنا والدكتور حيث أصر الا يركب سيارة المضيف ونحن في مزرعة خارج المدينة وبالكاد أقنعته بعد (مئة بوسة على الراس)رحم الله الدكتور ما ألطفه وما أجمله وما أطيب نفسه وما أجمل عزفه وفوق هذا وذاك ما أنقاه وما أتقاه بكل سماحة الإسلام وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
كوكوكوكو
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق