الطرب الحجازي/28
تكلمنا عن العمالقة من العازفين وأتينا على ذكر العم حمزة مغربي والعم محمد الريس والعم الدكتور وسأواصل إيراد أسماء العمالقة الكبار الجذور والذين مارسوا الفن والخوف يحيط بهم ولا تحتاج عبارتي الى تفسير (الحدق يفهم )ولما فتح الباب (مواربة)وبعد ذلك سأبدأ بالجيل الذي أنا منه وإن كنت من المخضرمين ,لا ننسى أن الباب قفل مرة أخرى فخرج من خرج خارج الحدود وبقي من بقي في الأنفاق ولو مددت أصبعك من ثقب الباب لطرحك الله فيمن يعضه عضة تجعل صراخك يملأ الفضاء,ولكن عاد الباب للمواربة والقفل وأصبحنا بين جملتين شهيرتين (عطوه.....بطوه).
أعود لأتحدث عن ثلاثة من الكبار.الطيب ,كان الطيب رجلا كاسمه طيبا في كل شيء يملك ملكة تميزه وهي تحويله عندما يعزف منفردا وتسمى(تقاسيم)يحيل الأنغام ثقيلة الوزن الى أنغام (فرايحية)فالراسد و الجهار كاه والعجم والنهوند من الأنغام التي تستغرقك في تهويم فلسفي بخلاف نغم الحجاز والسيكة وهوالبنجكة ورصد النوى وهو الحراب وكذا الأنغام التي تكاد تجعلك تذرف الدمع كالصبا والعشاق يحيل هذه تلك وتلك هذه وذاك لعمري مقدرة هبة من الخالق ,لا أود أن أتوسع في الأمور الفنية ولا سرد الأنغام ولكن تلك ملكات تسوقك للتنويه بها ,شاركت العم الطيب ولكن أقل من مشاركتي لمن سبق وأوردت .
العم سعيد شاولي تلك شخصية ذات استقلالية في كل شيء وهو فوق إجادته العزف على الكمان يجيد فن التصوير الفوتوغرافي وكان له أستوديو تصوير عندما كانت استوديوهات التصوير نادرة وقبل ذلك كانت محرمة (وكلكم مفهوميه)كان العم سعيد على ما أذكر محله في القشاشية وكان لا يرتدي يعتمر الا (كوفية هرمية)وهي كانت للأنيقين دون (صمادة)الآن غترة والصمادة كانت إما غبانة أو شال أو قماش من القطن وكلها عمامة وأجمل عمامة رأيتها في حياتي كان يعتمرها سيدي عالم الحجاز السيد(علوي مالكي)وكذا كان أبي وأبناء عمومتي وللعلم العمامة هي الزي الصحيح في الحجاز من العهد الجاهلي ثم الإسلامي وحتى أدخل علينا الإنجليز الشماغ ,سرحت بكم ,أليس كذلك؟نعود للعم سعيد شاولي كان عزفه رقيق أنيق كماه وكان يميل لعزف الألحان المصرية وحتى عزفه المنفرد كان يميل للطريقة المصرية في النغم ,كان قليل الظهور أذكر سمعت منه وأسمعته كان مختصرا على محيط محدد وأحسب أن له أبن تخرج طبيبا ومارس الفن وأسمعني أحدهم بعض أغانيه وهي تميل للحديث من الفن الذي يعتمد على الإيقاع أداؤه جيدا ولديه القدرة أن يعمل على تطوير الفن الحجازي فقيل لي أنه درس الموسيقى ولكني لم أعد أسمع عنه .
العم محمد رفه,احسب أني أصبت في الاسم أما اللقب فلا مرية فيه ,كان العم الرفه عازف أنيق على الكمان محدود الانتشار أنيس ونيس جليس لا تمل من طيب حديثه ولا من براعة عزفه ولا من جمال أناقته ولا من طيب سريرته وقد فزت بالعزف معه وأمامه وكان صاحب متجر يبيع فيه تحف لم أشاهد قبلها ولا بعدها في تفردها ولقد كان يسافر لينتقي معروضاته وله مرتادين محدودين من أهل الذوق الرفيع والحس المرهف وله ابن نطاسي في جراحة القلب وعلمت أنه كان كثيرا ما يقوم بعمليات في الداخل والخارج للمحتاجين وهذا ما لا يستغرب على مجتمع دخيلته أشد بياضا من ثيابه لقد كان مجتمع يذكر فتذرف العين دمعها على تذكره.
العم محسن شلبي:من أراد أن يكون السرور ونيسه فعليه أن يكون العم محسن جليسه,يعزف على الكمان ليس بأبرعهم وإن كان أكثرهم أنسا ولي معه أياما جميلة لن يجد الكدر الى نفسك طريقا وأنت معه وكان صهرا للسيد عبدالرحمن المؤذن.
العم منصور بن سفرة وهو من أهل الطائف من طويرق كان هو عازف الكمان الوحيد وشاهدته وأنا صغيرا في السن و عزفت معه ولكنه ترك العزف مبكرا خلوق أنيق كثير الصمت كأني أطالعه وهو يلف سجارته البستاني بين الشيلة والشيلة (أين بين الأغنية و الأغنية ).
إن كل من أوردت ذكرهم العطر لقوا وجه ربهم ,لقد كانوا رجالا بكل ما تحمل الكلمة من معنى حريصون على دينهم وعبادتهم لا يفوتون واجبا دينيا ولا أخلاقيا لا ينطقون العوراء لا يسيئون لأحد ,كنوا رحمهم الله خير موجهين لنا يحثونا على الفضيلة وعلمونا أن الطرب ترويح عن النفس ومسلك راق محترم لا يجب أن يلوث بإثم ولا بتفسخ .كانوا رجالا يحترمهم الصغير والكبير ما تركوا غير مرضاة الله والذكر الحسن وعندما فاح عطر ذكراهم أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
كوكوكوكو
الأحد، 27 يوليو 2008
السبت، 19 يوليو 2008
اللهبي/الطرب الحجازي/27
الطرب الحجازي/27
أنهيت الحلقة السابقة عن أستاذ الكمان بدون منازع في زمنه ولكن فات علي ان أذكر أنه بالرغم من إجادته للكمان فهو كذلك مجيد العزف على القانون ولكن ليس في درجة العم حمزة مغربي وكذا يجيد العزف على العود ولكنه لا يملك صوتا شجيا وتميزه في العزف على آلة الكمان لم يشتهر كثيرا في غيرها وقد درست على يده .
سأكتب الآن عن ثلاثة عازفين على الكمان وكانوا في زمن محمد الريس وهم للحقيقة مجيدون وذوا إحساس مرهف ولكل طعمه وعبقه كالعسل والورد,
الدكتور :كذا عرفت اسمه واجتمعت به كثيرا ولم يدر في خلدي سؤاله عن اسمه الكامل فلقد كنا نحترم كبارنا ولا نخاطبهم إلا كما نخاطب آباءنا ولا أذكر أني خاطبت أحدهم بغير كلمة (ياسيدي)وكنت لا أعزف منفردا حتى يأذنوا لي ولا أجلس عن يسارهم في الصف بل قد يناولني أحدهم قوس كمانه لأمرره على (القلفونية)وهي المادة الغروية التي ينطلق الصوت قويا عند احتكاك القوس بالوتر,بل وأحمل لهم كمانهم تلك آداب ربي عليها أهل الحجاز في كل صنعة وفن وفي التعامل اجتماعيا بين الكبير والصغير آه على تلك الأيام .
كان الدكتور وبالمناسبة أطلق عليه لقب الدكتور بمعنى دكتور الكمان فلقد كان الدكتور في ذلك الزمان كالتحفة التي يتمنى الناس أن يروهم فقط فقد كانوا لعلية القوم والمستشفى تسمى (الصحية)وليس غير مستشفى أجياد بمكة المكرمة والدكتور محمد خاشقجي ومستشفى الملك فيصل بالطائف والدكتور إبراهيم أدهم .
نزهة:أليس كذالك؟ أخذتكم في نزهة!!!!!
كان الدكتور دقيق الجسم دائم الابتسام تقي محافظ على عبادته وأوراده لم تلهه الكمان ولا الطرب عن دينه وتقواه كثير الصلاة على سيدي رسول الله لا تسمع منه كلمة نابية ولا طباع من ينادون من وراء الحجرات,
كان متمكنا من النغم حافظ للحن مبدع (التقاسيم )وهي العزف المنفرد التلقائي ,كنا ذات مساء في سهرة وكان أحدهم قد أحضر مسجل وهو من النوع (القرندق)بأشرطة بكرات وقيل أنه من نوع استريو وهي كلمة جديدة فهمنا من صاحبه أنه بمايكروفونين ,وقال أنه سيضع أحد الميكروفونات أمام الدكتور ليبرز عزفه من سماعة والمايكروفون الآخر أمام المطرب وأنا معه ,وقد أبدع الدكتور ذلك المساء كما لم يبدع من قبل وانتهت السهرة وانفض السامر وكنا في بيت صاحب المسجل وهو من علية القوم فقال لي الدكتور (أقعد ياواد خلينا نسمع التسجيل بعدين نروح)وقام صاحب المنزل(وحكر براد الشاي )ولف شريط المسجل من البداية ولسوء الطالع أن المايكريفون الذي أمام الدكتور نسي مضيفنا أن يفتحه ,ولم نسمع عزفا للدكتور البتة وصاحب المنزل يلف الشريط ويعيد والدكتور يردد فقط (ما سجل؟ما سجل؟ما سجل؟)ولما أصبح الأمر حقيقة لا مرية فيها غضب وحلف يمينا لا يدخل لمضيفنا بيت ما عاش والرجل يعتذر وخرجنا نتلمس طريقنا في الظلام أنا والدكتور حيث أصر الا يركب سيارة المضيف ونحن في مزرعة خارج المدينة وبالكاد أقنعته بعد (مئة بوسة على الراس)رحم الله الدكتور ما ألطفه وما أجمله وما أطيب نفسه وما أجمل عزفه وفوق هذا وذاك ما أنقاه وما أتقاه بكل سماحة الإسلام وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
كوكوكوكو
أنهيت الحلقة السابقة عن أستاذ الكمان بدون منازع في زمنه ولكن فات علي ان أذكر أنه بالرغم من إجادته للكمان فهو كذلك مجيد العزف على القانون ولكن ليس في درجة العم حمزة مغربي وكذا يجيد العزف على العود ولكنه لا يملك صوتا شجيا وتميزه في العزف على آلة الكمان لم يشتهر كثيرا في غيرها وقد درست على يده .
سأكتب الآن عن ثلاثة عازفين على الكمان وكانوا في زمن محمد الريس وهم للحقيقة مجيدون وذوا إحساس مرهف ولكل طعمه وعبقه كالعسل والورد,
الدكتور :كذا عرفت اسمه واجتمعت به كثيرا ولم يدر في خلدي سؤاله عن اسمه الكامل فلقد كنا نحترم كبارنا ولا نخاطبهم إلا كما نخاطب آباءنا ولا أذكر أني خاطبت أحدهم بغير كلمة (ياسيدي)وكنت لا أعزف منفردا حتى يأذنوا لي ولا أجلس عن يسارهم في الصف بل قد يناولني أحدهم قوس كمانه لأمرره على (القلفونية)وهي المادة الغروية التي ينطلق الصوت قويا عند احتكاك القوس بالوتر,بل وأحمل لهم كمانهم تلك آداب ربي عليها أهل الحجاز في كل صنعة وفن وفي التعامل اجتماعيا بين الكبير والصغير آه على تلك الأيام .
كان الدكتور وبالمناسبة أطلق عليه لقب الدكتور بمعنى دكتور الكمان فلقد كان الدكتور في ذلك الزمان كالتحفة التي يتمنى الناس أن يروهم فقط فقد كانوا لعلية القوم والمستشفى تسمى (الصحية)وليس غير مستشفى أجياد بمكة المكرمة والدكتور محمد خاشقجي ومستشفى الملك فيصل بالطائف والدكتور إبراهيم أدهم .
نزهة:أليس كذالك؟ أخذتكم في نزهة!!!!!
كان الدكتور دقيق الجسم دائم الابتسام تقي محافظ على عبادته وأوراده لم تلهه الكمان ولا الطرب عن دينه وتقواه كثير الصلاة على سيدي رسول الله لا تسمع منه كلمة نابية ولا طباع من ينادون من وراء الحجرات,
كان متمكنا من النغم حافظ للحن مبدع (التقاسيم )وهي العزف المنفرد التلقائي ,كنا ذات مساء في سهرة وكان أحدهم قد أحضر مسجل وهو من النوع (القرندق)بأشرطة بكرات وقيل أنه من نوع استريو وهي كلمة جديدة فهمنا من صاحبه أنه بمايكروفونين ,وقال أنه سيضع أحد الميكروفونات أمام الدكتور ليبرز عزفه من سماعة والمايكروفون الآخر أمام المطرب وأنا معه ,وقد أبدع الدكتور ذلك المساء كما لم يبدع من قبل وانتهت السهرة وانفض السامر وكنا في بيت صاحب المسجل وهو من علية القوم فقال لي الدكتور (أقعد ياواد خلينا نسمع التسجيل بعدين نروح)وقام صاحب المنزل(وحكر براد الشاي )ولف شريط المسجل من البداية ولسوء الطالع أن المايكريفون الذي أمام الدكتور نسي مضيفنا أن يفتحه ,ولم نسمع عزفا للدكتور البتة وصاحب المنزل يلف الشريط ويعيد والدكتور يردد فقط (ما سجل؟ما سجل؟ما سجل؟)ولما أصبح الأمر حقيقة لا مرية فيها غضب وحلف يمينا لا يدخل لمضيفنا بيت ما عاش والرجل يعتذر وخرجنا نتلمس طريقنا في الظلام أنا والدكتور حيث أصر الا يركب سيارة المضيف ونحن في مزرعة خارج المدينة وبالكاد أقنعته بعد (مئة بوسة على الراس)رحم الله الدكتور ما ألطفه وما أجمله وما أطيب نفسه وما أجمل عزفه وفوق هذا وذاك ما أنقاه وما أتقاه بكل سماحة الإسلام وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
كوكوكوكو
الاثنين، 14 يوليو 2008
اللهبي /الطرب الحجازي/26
الطرب الحجازي/26
قد يعتب على الكبار ممن لست في طرفهم الا رقم مفرد وأعني بهم أساتذتي وسادتي إبراهيم خفاجي ويوسف محمد(أبو يعقوب)وطارق عبدالحكيم ويقولون ما لهذا (الواد)ما جاء على ذكر الركنين الكبار وهم سادتي الشريفان هاشم وعبدا لحميد و هما رحم الله موتانا نبع الطرب الحجازي :أقول لسادتي معتذرا وكيف أختم كلامي بغير تطييبه بأسماء آل بيت حبيبي وقرة عيني سيدي رسول الله عليه وعلى آله وصحبه أزكى سلام إن خير ختام الكلام تطييبه بذكر آل البيت الكرام وهنا أجزم أنهم ومن في مقامهم سيقولون(صدق الواد).
أعود الى سيرة أحبابي من الذين كانوا يعزفون على الآلات الموسيقية وقد ابتدأتهم بالعم حمزة مغربي وها أنا أثني بدرة من عزف على آلة الكمان ,ذلك الرجل المهيب الذي أدركته وقد مال به العمر الى خريفه وكان ذلك في ورشة أخي بن عمي حمدان والذي سبق أن أشرت الى أنها كانت ورشة نجارة صباحا ومدرسة طرب مساءا,
إنه الفنان المبدع الذي تكاد أن تذوب الكمان في يده من رقة ما ينساب من روحه من فن روحاني صافيا نقيا ولا نسمة الصبا تتراقص الأوتار ويرتعش القوس ويتحول السامعون الى أذن تلتقط جواهر النغم وهي تنثر على رؤوسهم من بين أنامله وهو بوجهه الصارم الذي لو رأيته والكمان ليس في يدية لحسبته جلمود صخر ولما صدقت أن ذاك الجلمود يختزن من العاطفة ورقة الإحساس كل هذا.
إنه العم "محمد الريس"سمعته ليلة وقد تناول كمانه وبدأ في تقاسيم على نغمة الحجاز تلا عب بها ونغمة الحجاز من الأنغام التي تدخل السرور على النفس وعرج منها على الحراب وهو النغمة التي تجعلك تنتهي عند (المحط )صائحا الله الله ومنها تحول الى الجهاركاه وكأنه يجهزك لتستقبل الصبا وهو النغم الذي يستمطر العين بالدمع ويجعلك وقد خف وزنك وسكنت الجاذبية ليهوم بك في عوالم تنسيك ما حولك لتتساما روحك وتنتابك رهبة يعيدك بعدها الى رشة من نغم العشاق والذي يقال أنه يستدر الغيث ليعود بك الى مقام الحجاز حيث بدأ دون أن يجعلك تشعر بانتقاله من مقام لمقام وتلك لعمري علم العارفين ومكنة المتمكنين حتى رأيت الجمع وقد وقف احتراما لإبداعه وأكثرهم من أساتذة النغم فالنغم في الحجاز ليس وقفا على المطرب أو العازف ولكن يندر أن تجد حجازي المعدن ليس له علم بالنغم أكان عالما أو مثقفا أو ولد حارة ,هكذا كان الحجاز عبادة وتقوى وأنس ومؤانسة ما حضرت مجلس طرب إلا وكانت البداية بذكر الله عز وجل والصلاة على حبيبه عليه أزكى سلام فهم قوم لم ينسوا نصيبهم من الدنيا وما أخرهم الطرب عن عبادة أو عن فرض وما كان يدور في مجالسهم ما لا يرضي الله ورسوله .
كان للطرب أصول وقواعد يحترمها الجميع ,فمثلا كان يبدأ صاحب العود بالتقاسيم وهي عزف حر إبن ساعته ويليه عازف القانون ثم عازف الكمان ,ولقد حضرت مجلسا قسم فيه صاحب العود وكان العم حمزة على القانون والعم محمد الريس على الكمان فقسم العم محمد الريس قبل العم حمزة وبذلك خرق عرفا أغضب العم حمزة وكادت تحدث مشكلة كبيرة ولولا تدخل الحاضرون و إرضاء العم حمزة (بحق)وهو ذبح خروف وعشاء إرضاء لعم حمزة قام به العم محمد الريس ,كان هناك احترم وتقدير وأدب وقواعد إنما كانت لزمانها (وكل شيء في وقته حلو).
عمل محمد الريس بمدرسة موسيقى الجيش مع طارق عبد الحكيم وكان قبلها صاحب دكان ببرحة القزاز(أكرر للمرة الألف ,القزاز ,بضم القاف وفتح الزاي)بجوار قهوة العم محمد الثما لي وبقي في مدرسة الموسيقى حتى تقاعد طارق عبد الحكيم فأنتقل الى فرقة الإذاعة ككبير لهم حتى تسلمها المطرب علي با عشن وتحول الى عمل إداري وتغير الحال غير الحال.
هذا الرجل له اليد الطولي مع الكبير طلال مداح وسيأتي شرح ذلك عندما اكتب عن الكبير طلال.
كان محمد الريس فنانا مطبوعا عفيف النفس تقيا نقيا لم يكن يتكسب بفنه كغيره من الأول فهكذا كان الرجال في الحجاز ,لا تجد العالم الذي يتكسب من علمه و لا الفنان الذي يتكسب من فنه ,كان لكل منهم عملا آخر يتكسبون منه أما العلم والأدب والشعر و الثقافة والطرب فكانت لذاتها وهذا الذي صبغها بالصدق ولم يكونوا رقيقا لمعطي ليعطوا كما يريد وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
كوكوكوكو
قد يعتب على الكبار ممن لست في طرفهم الا رقم مفرد وأعني بهم أساتذتي وسادتي إبراهيم خفاجي ويوسف محمد(أبو يعقوب)وطارق عبدالحكيم ويقولون ما لهذا (الواد)ما جاء على ذكر الركنين الكبار وهم سادتي الشريفان هاشم وعبدا لحميد و هما رحم الله موتانا نبع الطرب الحجازي :أقول لسادتي معتذرا وكيف أختم كلامي بغير تطييبه بأسماء آل بيت حبيبي وقرة عيني سيدي رسول الله عليه وعلى آله وصحبه أزكى سلام إن خير ختام الكلام تطييبه بذكر آل البيت الكرام وهنا أجزم أنهم ومن في مقامهم سيقولون(صدق الواد).
أعود الى سيرة أحبابي من الذين كانوا يعزفون على الآلات الموسيقية وقد ابتدأتهم بالعم حمزة مغربي وها أنا أثني بدرة من عزف على آلة الكمان ,ذلك الرجل المهيب الذي أدركته وقد مال به العمر الى خريفه وكان ذلك في ورشة أخي بن عمي حمدان والذي سبق أن أشرت الى أنها كانت ورشة نجارة صباحا ومدرسة طرب مساءا,
إنه الفنان المبدع الذي تكاد أن تذوب الكمان في يده من رقة ما ينساب من روحه من فن روحاني صافيا نقيا ولا نسمة الصبا تتراقص الأوتار ويرتعش القوس ويتحول السامعون الى أذن تلتقط جواهر النغم وهي تنثر على رؤوسهم من بين أنامله وهو بوجهه الصارم الذي لو رأيته والكمان ليس في يدية لحسبته جلمود صخر ولما صدقت أن ذاك الجلمود يختزن من العاطفة ورقة الإحساس كل هذا.
إنه العم "محمد الريس"سمعته ليلة وقد تناول كمانه وبدأ في تقاسيم على نغمة الحجاز تلا عب بها ونغمة الحجاز من الأنغام التي تدخل السرور على النفس وعرج منها على الحراب وهو النغمة التي تجعلك تنتهي عند (المحط )صائحا الله الله ومنها تحول الى الجهاركاه وكأنه يجهزك لتستقبل الصبا وهو النغم الذي يستمطر العين بالدمع ويجعلك وقد خف وزنك وسكنت الجاذبية ليهوم بك في عوالم تنسيك ما حولك لتتساما روحك وتنتابك رهبة يعيدك بعدها الى رشة من نغم العشاق والذي يقال أنه يستدر الغيث ليعود بك الى مقام الحجاز حيث بدأ دون أن يجعلك تشعر بانتقاله من مقام لمقام وتلك لعمري علم العارفين ومكنة المتمكنين حتى رأيت الجمع وقد وقف احتراما لإبداعه وأكثرهم من أساتذة النغم فالنغم في الحجاز ليس وقفا على المطرب أو العازف ولكن يندر أن تجد حجازي المعدن ليس له علم بالنغم أكان عالما أو مثقفا أو ولد حارة ,هكذا كان الحجاز عبادة وتقوى وأنس ومؤانسة ما حضرت مجلس طرب إلا وكانت البداية بذكر الله عز وجل والصلاة على حبيبه عليه أزكى سلام فهم قوم لم ينسوا نصيبهم من الدنيا وما أخرهم الطرب عن عبادة أو عن فرض وما كان يدور في مجالسهم ما لا يرضي الله ورسوله .
كان للطرب أصول وقواعد يحترمها الجميع ,فمثلا كان يبدأ صاحب العود بالتقاسيم وهي عزف حر إبن ساعته ويليه عازف القانون ثم عازف الكمان ,ولقد حضرت مجلسا قسم فيه صاحب العود وكان العم حمزة على القانون والعم محمد الريس على الكمان فقسم العم محمد الريس قبل العم حمزة وبذلك خرق عرفا أغضب العم حمزة وكادت تحدث مشكلة كبيرة ولولا تدخل الحاضرون و إرضاء العم حمزة (بحق)وهو ذبح خروف وعشاء إرضاء لعم حمزة قام به العم محمد الريس ,كان هناك احترم وتقدير وأدب وقواعد إنما كانت لزمانها (وكل شيء في وقته حلو).
عمل محمد الريس بمدرسة موسيقى الجيش مع طارق عبد الحكيم وكان قبلها صاحب دكان ببرحة القزاز(أكرر للمرة الألف ,القزاز ,بضم القاف وفتح الزاي)بجوار قهوة العم محمد الثما لي وبقي في مدرسة الموسيقى حتى تقاعد طارق عبد الحكيم فأنتقل الى فرقة الإذاعة ككبير لهم حتى تسلمها المطرب علي با عشن وتحول الى عمل إداري وتغير الحال غير الحال.
هذا الرجل له اليد الطولي مع الكبير طلال مداح وسيأتي شرح ذلك عندما اكتب عن الكبير طلال.
كان محمد الريس فنانا مطبوعا عفيف النفس تقيا نقيا لم يكن يتكسب بفنه كغيره من الأول فهكذا كان الرجال في الحجاز ,لا تجد العالم الذي يتكسب من علمه و لا الفنان الذي يتكسب من فنه ,كان لكل منهم عملا آخر يتكسبون منه أما العلم والأدب والشعر و الثقافة والطرب فكانت لذاتها وهذا الذي صبغها بالصدق ولم يكونوا رقيقا لمعطي ليعطوا كما يريد وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
كوكوكوكو
الثلاثاء، 8 يوليو 2008
نزف
نزف
يا ويلي....ناهزت الستين ولا زال النزف.....نزف.......نزف......من ذات الشريان..ّذات الشريان...ينزف ...لا يتوقف....أذوق طعم الدم في حلقي ..نزف كأنما ينبع من عين لا تنضب..نزف لكن لا تساقط قطرة دم ....لا....لا
تساقط....تتبخر ثم تكثف...لتعود كندف الثلج الأحمر لتغلفني فأشعر بلفح يتسرب حتى داخلي...أعد الثواني....تطول الثواني ....تتطاول الثواني .....كأنما سيزوف يحمل صخرته ليصعد المرتقي الصعب لا هو بالغ نهايته و لا هو واقف حيث يصل فيعود يحمل ثقله .....هي دائرة....حيث بدايتها...حيث نهايتها ,,,طبقات من الدم غلفت جسمي فما عاد جلدي يشعر .....لقد غلفت بصيلات الإحساس أصبحت قشرة من خلايا ميتة ...الخلايا الميتة لا تحس .....ما عدت أذكر النزف...كأنما أصبح ذاتي وجودي تحولت من كائن يحس... يشعر... يحب.... يكره.....ينسى ......يتذكر......يغضب...يرضى...فقط ...نزف .....نزف......ترى ؟!؟!هل يجف نبع النزف ...؟أم هل يتوقف النزف دون أن يجف النبع.....؟ما عدت أدري ..كيف يدري من نسي أنه نسي أنه ينزف
نزف......................... نزف......................نزف........................................نزف
الاثنين، 7 يوليو 2008
الطرب الحجازي/25
الطرب الحجازي/25
وجدت أني في مرحلة من حكايتي نحن في الحجاز نقول (أحكيك حكاية)أي أروي لك رواية أو كما يقال عند البعض (سالفة).من لطيف الحكايات هذه الحكاية التي كنا نرددها ونحن صغار توارثا عمن قبلنا تقول:
"أحكيك بحكاية ,كلب جرى بسقايا وأحورها و أدورها وأعيدها من أولها ,وأحكيك بحكاية كلب جرى بسقايا وأحورها و أدورها و أعيدها من أولها "وهكذا دواليك ,كانت طرائف و لطف و كانت سلوى ,ما علينا!!!
نعود للحكاية أقول أنني وجدت أنه لزاما علي أن أروي عن العازفين أنتشل من قاع الذاكرة ما استطعت الى ذلك سبيلا ,أولا لأنهم كانوا عماد الطرب (لاحظوا أقول الطرب ولم أقل الفن) سبق أن فندت هذا الزعم وأزيد أن الطرب الشرقي يعتمد على السماع ولا يعتمد على النوتة الموسيقية فهو ليس فيه "تكنيك"كالفن الغربي (لاحظوا أنني لم أقل الطرب الغربي)لأنه ليس طربا فهو يعتمد على قواعد حسابية ولن يتسنى أن تقول بعد كل مقطع غربي (الله ,,,,يا عيني,,,,أدعس,,,,)وتتمايل جذلا متشبعا روحيا ولكن مستمتعا عقليا فالشرق كل الشرق روحاني والغرب كل الغرب منطقي ,لذا أقول أن الطرب في عموم الشرق يعتمد على السماع ولقد قرأت عن الطرب في عموم آسيا قبل أن يتفرنج فكان كله سماعي فهذه أذربيجان تملك طربا لا يدانيه طرب وكذا الترك والفرس وحتى الفياتنام لو سمعتم طربهم القديم لتمايلتم ,وأول من كتب النوتة الموسيقية للعود كان الفنان محمد القصبجي وكانت السيدة أم كلثوم تدير بروفاتها على السماعي ولم تقبل أن تكون أمام العازفين نوت موسيقية حتى توفت رحم الله موتانا وحثي عهد سيد درويش كان الغناء والموسيقى في الوطن العربي "سماعي" وكان مستودعه حلب والمغرب وهما المنطقتان التي اتجه لها عرب الأندلس بعد أن ضيعها جماعة الشيخ الجليل عبدالله بن الأحمر رحم الله موتانا حيث ساقهم فرناندوس وإيزابيلا والعلم كله بيد ازبيلا تلك الملكة التي أوصت على إبقاء "سبتة ومليلة في ركن المغرب العربي الشمالي في يد الفرنجة حتى لا يتسلل العرب لهم مرة أخرى .
أحسب, أني سرحت بكم وذاك ليس ذنبي ولكنه ذنب ذاكرة مزدحمة كلما هممت بالكتابة طفا على سطحها ما لا استطيع أن أكتبه فتلكزني وألجمها وقد انفعل فيغضب قاصر الإدراك أو يقرع أو .أو, وأنا ممن لا يقرعوا (بضم الياء وفتح القاف وتشديد الراء,وأتمثل دائما قول الشاعر:
ولدت عيوفا لا أرى لابن حرة ****علي يدا أغضي لها حين يغضب
نعود لأحبابنا الذين يثرون الطرب بالعزف الذي يجعلك ترى الماسة وقد أحيطت بكريم الأحجار من الياقوت والزبرجد و الفيروز و الروبي والمرجان و رصائفها و بريقها يتراقص حول الماسة التي تبعث إنعكاسات روحها لتسكبها في أرواح أهل الطرب الحقيقين والذين يقدرون قيمته وهم السميعة الذين يصبغون ذلك بدبيب تحسه ولا تراه .
حمزة مغربي ......أبوعرب.....حمزة....كل هذه ألقاب لعازف القانون الطود عزفا وهامة والأخيرة لم أذكرها وتركتها للعارفين,هذا رجل عرفته حيث كان يقضي فترة الصيف في الطائف ويقيم في ورشة النجارة وبيت الفن التي يملكها أخي الأكبر بن عمي حمدان أمين شفاه الله ولا أحسب من له علاقة بالفن في الستينات والسبعينات وأوائل الثمانينات إلا ومر بها أو أخذ الفن عن مرتاديها فكانت ورشة نجارة نهارا دار أنس مساءا ولكنك لا تجد فيها متخلف عن صلاة أو جانح,كان العم حمزة رحم الله موتانا وهو رجل أعزب ما عرفت له قرابة كان يسكن في غرفة من غرف الورشة وكنت تسمع نقره على أوتار القانون تسري في فضاء الورشة فتصبح(دانه ولبانة أو غناء و سف دقيق)إنما في المساء حيث ينتظم عقد الطرب ,
كان العم حمزة نادر الابتسامة صارم عرفته وقد تجعد وجهه وخط الدهر عليه خطوطا متجهما نزقا يجب أن تحسب كل كلمة توجهها له و إلا ندمت ندامة الكسعي ,يعتمر عمامة وطاقية بلدي هرمية الشكل و كان هذا لباس أهل الحجاز قبل أن (يتخلجوا)كان طويل القامة ويملك سيارة فورد موديل 48 أذكر أن سيارته كانت واقفة وخلفها سيارتان ومن موديل الخمسينات واحدة لمحمد سعيد حبيب والثانية من مخلفات الجيش لابن عمي حمدان والمغرم بمخلفات الجيش حتى اليوم حتى أنه كان يملك إسعافا ليس فيه من الداخل الا صندوق شاهي فارغ يجلس عليه ليسوق و قد تعلم أبناء حي أسفل بالطائف السواقة على هذا الإسعاف وكأنه من وقفنا الموجود في برحة القزاز,المهم حاول العم حمزة إخراج سيارته وكان يقف عبدالرحيم كابلي وهو معلم نجارة وعازف عود ومن أذكى من عرفت ويستطيع أن يستثير أحلم الرجال ,قال عبدالرحيم للعم حمزة:يا عم حمزة ,ما تعرف تسوق أنا أخرج لك السيارة ,فما كان من حمزة الا و قد ثارت ثائرته وقام بسيارته "أمام وخلف"حتى حطم السيارات الثلاث ولكنه أخرج سيارته وأخرج معها لسانه على عبدالرحيم كابلي بشتم يستحيل تسجيله ولا حتى الإشارة له,
كان عزف عم حمزة عزفا متقنا جميلا ويعرف عازفي القانون الأفذاذ معني أن يعزف على القرار والجواب ناهيك عن درايته التي تبهرك بالأنغام وتخريجاتها والتجول فيها دون أن تشعر بانقطاع الإنسياب أو سماع نغمة نشاز ولقد توفى عم حمزة رحمه الله في بيته في مكة وحيدا ولم يعرف بوفاته إلا بعد أيام اشهد لله شهادة يسألني الله عنها أن الرجل كان فيه من التقوى والإيمان والحرص على الصلاة والصيام فرضا ونافلة كثير الذكر لله ورسوله شاهدته وهو يصلي وحيدا ولم يره الا الله وأنا وما كان يعلم بوجودي وهو يبكي في صلاته من خشية الله بكاء والله يلين القلب وكنت أنا يافعا ,أعجب لمن يجمع أهل الفن في بوتقة واحدة و يطردهم من رحمة الله وكأن رحمة الله بيده وهو والله لو قيس ببعض أهل الفن وتقواهم لخجل من نفسه هذا إن كان هناك من بقي ممن يخجل من نفسه إذ يرمي الناس بالفساد و لا يدري من أثقل وزنا عند الخالق عز وجل ها أنا وقد رأيت شهرزاد وقد أدركها الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
كوكوكوكو
وجدت أني في مرحلة من حكايتي نحن في الحجاز نقول (أحكيك حكاية)أي أروي لك رواية أو كما يقال عند البعض (سالفة).من لطيف الحكايات هذه الحكاية التي كنا نرددها ونحن صغار توارثا عمن قبلنا تقول:
"أحكيك بحكاية ,كلب جرى بسقايا وأحورها و أدورها وأعيدها من أولها ,وأحكيك بحكاية كلب جرى بسقايا وأحورها و أدورها و أعيدها من أولها "وهكذا دواليك ,كانت طرائف و لطف و كانت سلوى ,ما علينا!!!
نعود للحكاية أقول أنني وجدت أنه لزاما علي أن أروي عن العازفين أنتشل من قاع الذاكرة ما استطعت الى ذلك سبيلا ,أولا لأنهم كانوا عماد الطرب (لاحظوا أقول الطرب ولم أقل الفن) سبق أن فندت هذا الزعم وأزيد أن الطرب الشرقي يعتمد على السماع ولا يعتمد على النوتة الموسيقية فهو ليس فيه "تكنيك"كالفن الغربي (لاحظوا أنني لم أقل الطرب الغربي)لأنه ليس طربا فهو يعتمد على قواعد حسابية ولن يتسنى أن تقول بعد كل مقطع غربي (الله ,,,,يا عيني,,,,أدعس,,,,)وتتمايل جذلا متشبعا روحيا ولكن مستمتعا عقليا فالشرق كل الشرق روحاني والغرب كل الغرب منطقي ,لذا أقول أن الطرب في عموم الشرق يعتمد على السماع ولقد قرأت عن الطرب في عموم آسيا قبل أن يتفرنج فكان كله سماعي فهذه أذربيجان تملك طربا لا يدانيه طرب وكذا الترك والفرس وحتى الفياتنام لو سمعتم طربهم القديم لتمايلتم ,وأول من كتب النوتة الموسيقية للعود كان الفنان محمد القصبجي وكانت السيدة أم كلثوم تدير بروفاتها على السماعي ولم تقبل أن تكون أمام العازفين نوت موسيقية حتى توفت رحم الله موتانا وحثي عهد سيد درويش كان الغناء والموسيقى في الوطن العربي "سماعي" وكان مستودعه حلب والمغرب وهما المنطقتان التي اتجه لها عرب الأندلس بعد أن ضيعها جماعة الشيخ الجليل عبدالله بن الأحمر رحم الله موتانا حيث ساقهم فرناندوس وإيزابيلا والعلم كله بيد ازبيلا تلك الملكة التي أوصت على إبقاء "سبتة ومليلة في ركن المغرب العربي الشمالي في يد الفرنجة حتى لا يتسلل العرب لهم مرة أخرى .
أحسب, أني سرحت بكم وذاك ليس ذنبي ولكنه ذنب ذاكرة مزدحمة كلما هممت بالكتابة طفا على سطحها ما لا استطيع أن أكتبه فتلكزني وألجمها وقد انفعل فيغضب قاصر الإدراك أو يقرع أو .أو, وأنا ممن لا يقرعوا (بضم الياء وفتح القاف وتشديد الراء,وأتمثل دائما قول الشاعر:
ولدت عيوفا لا أرى لابن حرة ****علي يدا أغضي لها حين يغضب
نعود لأحبابنا الذين يثرون الطرب بالعزف الذي يجعلك ترى الماسة وقد أحيطت بكريم الأحجار من الياقوت والزبرجد و الفيروز و الروبي والمرجان و رصائفها و بريقها يتراقص حول الماسة التي تبعث إنعكاسات روحها لتسكبها في أرواح أهل الطرب الحقيقين والذين يقدرون قيمته وهم السميعة الذين يصبغون ذلك بدبيب تحسه ولا تراه .
حمزة مغربي ......أبوعرب.....حمزة....كل هذه ألقاب لعازف القانون الطود عزفا وهامة والأخيرة لم أذكرها وتركتها للعارفين,هذا رجل عرفته حيث كان يقضي فترة الصيف في الطائف ويقيم في ورشة النجارة وبيت الفن التي يملكها أخي الأكبر بن عمي حمدان أمين شفاه الله ولا أحسب من له علاقة بالفن في الستينات والسبعينات وأوائل الثمانينات إلا ومر بها أو أخذ الفن عن مرتاديها فكانت ورشة نجارة نهارا دار أنس مساءا ولكنك لا تجد فيها متخلف عن صلاة أو جانح,كان العم حمزة رحم الله موتانا وهو رجل أعزب ما عرفت له قرابة كان يسكن في غرفة من غرف الورشة وكنت تسمع نقره على أوتار القانون تسري في فضاء الورشة فتصبح(دانه ولبانة أو غناء و سف دقيق)إنما في المساء حيث ينتظم عقد الطرب ,
كان العم حمزة نادر الابتسامة صارم عرفته وقد تجعد وجهه وخط الدهر عليه خطوطا متجهما نزقا يجب أن تحسب كل كلمة توجهها له و إلا ندمت ندامة الكسعي ,يعتمر عمامة وطاقية بلدي هرمية الشكل و كان هذا لباس أهل الحجاز قبل أن (يتخلجوا)كان طويل القامة ويملك سيارة فورد موديل 48 أذكر أن سيارته كانت واقفة وخلفها سيارتان ومن موديل الخمسينات واحدة لمحمد سعيد حبيب والثانية من مخلفات الجيش لابن عمي حمدان والمغرم بمخلفات الجيش حتى اليوم حتى أنه كان يملك إسعافا ليس فيه من الداخل الا صندوق شاهي فارغ يجلس عليه ليسوق و قد تعلم أبناء حي أسفل بالطائف السواقة على هذا الإسعاف وكأنه من وقفنا الموجود في برحة القزاز,المهم حاول العم حمزة إخراج سيارته وكان يقف عبدالرحيم كابلي وهو معلم نجارة وعازف عود ومن أذكى من عرفت ويستطيع أن يستثير أحلم الرجال ,قال عبدالرحيم للعم حمزة:يا عم حمزة ,ما تعرف تسوق أنا أخرج لك السيارة ,فما كان من حمزة الا و قد ثارت ثائرته وقام بسيارته "أمام وخلف"حتى حطم السيارات الثلاث ولكنه أخرج سيارته وأخرج معها لسانه على عبدالرحيم كابلي بشتم يستحيل تسجيله ولا حتى الإشارة له,
كان عزف عم حمزة عزفا متقنا جميلا ويعرف عازفي القانون الأفذاذ معني أن يعزف على القرار والجواب ناهيك عن درايته التي تبهرك بالأنغام وتخريجاتها والتجول فيها دون أن تشعر بانقطاع الإنسياب أو سماع نغمة نشاز ولقد توفى عم حمزة رحمه الله في بيته في مكة وحيدا ولم يعرف بوفاته إلا بعد أيام اشهد لله شهادة يسألني الله عنها أن الرجل كان فيه من التقوى والإيمان والحرص على الصلاة والصيام فرضا ونافلة كثير الذكر لله ورسوله شاهدته وهو يصلي وحيدا ولم يره الا الله وأنا وما كان يعلم بوجودي وهو يبكي في صلاته من خشية الله بكاء والله يلين القلب وكنت أنا يافعا ,أعجب لمن يجمع أهل الفن في بوتقة واحدة و يطردهم من رحمة الله وكأن رحمة الله بيده وهو والله لو قيس ببعض أهل الفن وتقواهم لخجل من نفسه هذا إن كان هناك من بقي ممن يخجل من نفسه إذ يرمي الناس بالفساد و لا يدري من أثقل وزنا عند الخالق عز وجل ها أنا وقد رأيت شهرزاد وقد أدركها الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
كوكوكوكو
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)